هبة أحمد الحجاج
ذاتَ مساء، جلستُ مع أمي وأعجبتني مقولتها ” البيوتُ أسرار” ، وأنا أُؤيدها بهذهِ المقولة ، نعم كلُ بيت يوجد فيه ” مشاكلهُ وهمومهُ وأفراحهُ وأحزانه “، وتشعرُ وكأن كلَ بيتٍ عبارة عن حياة .
وكما أن البيوتَ أسرار أيضاً ” القلوبُ أسرار ” ، فكلُ قلبٍ ، يتمنى، يُحب ، يكره ، لا يُطيق ، يطمح ، يريد. ” لكنه لا يقول إلا إذا سمحَ للسَانِ أن يتكلم” .
تابعتُ تَصفُحي على مواقعِ التواصل الإجتماعي ، لفتَ انتباهِي منشورٌ كُتب فيه ” جلستُ مع البنتِ فرأيتها تتمنى أن تكون ولد وتحصلْ على حريته. وجلستُ مع المُتزوج فحدَثني بشوقٍ عن حياةِ العُزوبية . وجلستُ مع الأعزب فحدثني بحسدٍ عن حياةِ المتزوجين . حدثتُ الغني فحدثني عن شوقه لحياةِ البسطاء . وحدثتُ الفقراءَ فلعنوا فقرهم واشتاقوا للغنى. حدثتُ الموظفَ فاشتكى من الروتين وأخبرنى عن حبه للتجارة .فحدثتُ التاجر فأخبرني عن قلقه من السوق وحبه للاستقرار. حدثتُ المثقف فاشتكى من العلم فى زمن الجهالة. وحدثتُ الجاهلَ فبكى على علمٍ لم يناله. حدثتُ العجوز فهام فى حديثهِ عن الطفولة . وحدثتُ الطفل فقال متى أصبح كبيرًا مثلكم. وحين جلستُ مع نفسي وحدثتُها عن كلِ هؤلاء فقالت لي : كلُهم سعداء ولكن ينقصهم الرضى والقناعة”.
وأنا منغمسةُ في قراءتِ هذهِ الكلمات التي تصفُ جميع فئات المجتمع ، وإذ أسمع شاب في مقتبلِ العمر يصرخ بأعلى صوته وكأنه يُريد أن يُسمعَ العالم بأسره “صديقي فلان يمتلكُ كذا ويعملُ بالوظيفةِ كذا ولديه كذا وكذا وكأنه يلوم أهله، ولكنه في الحقيقة ولبرهةٍ من الزمن شعرتُ وكأنه يلوم العالم على حظهِ وقدَرِه ، وعندما أتى صديقه الذي يمتلكُ السيارةَ الفارهة ولديه كذا وكذا وذهبوا إلى المطعم الفلاني ، صدِيقه لم يستطعْ أن يتناولَ أي شيء ، يوجدُ لديهِ طعامٌ محدد، والذي صرفهُ له طبيبه ، فأخذ ينظرُ إلى تلكَ الفتاة ، التي تتناول وجباتها وبشهيةٍ كبيرة وكأنها تريدُ أن تقولَ للعالم بأكمله ” يا لهذا المذاقِ الرائع ” وذاك شاب “” ذو الحظِ الوفير ” ينظرُ إلى يديهِ ويرى أمواله التي تستطيعُ أن تشتري ليس فقط الوجبة بل المطعمَ بأكمله ، وتلكَ الفتاةُ مستمتعةٌ بطعامها الشهي ، تنظرُ إلى سيدةٍ بجانبها وكأنها تقول “يا ليتني أمتلكُ طفلاً واحدًا من أطفالها” ، فهي لم تُنجب الأطفال منذ خمسةَ عشرةَ سنة .
وتلكَ السيدةُ ” أمُ الأطفال ” يعلو على ملامحِ وجهها الحزنُ الممزوجُ بالحسرةِ ، أتعلم لماذا؟
أطفالها جائعين ولم يشبعوا من وجبةٍ واحده، فهي لا تمتلكُ المالَ، حتى تسُد رمق جوعهم.
و هنالك الكثير من مواقف الآخرين التي توضح عدم رضاهم على حياتهم وينقُمون على حظهم، وكأنهم حلقةُ وصلٍ رُبِطت مع بعضها .
” القناعةُ كنزٌ لا يفنى ” إذن حتى نقتنعُ ونرضى ونعيشُ سعداء ونمتلكُ راحةَ البال ، يجبُ أن نتبعَ الخطواتِ التالية :
أولاً : تذكرْ دائماً وأبداً ، الخيرةُ فيما اختارهُ الله ، اطمح ، اعمل ، كافح ، حارب من أجل أن تصل ، ابلغ جميعَ أسبابِ الأرض، وإن لم يتحققْ الأمر ، وقلْ وبنفسٍ راضيةٍ ” الخيرةُ فيما اختارهُ الله” .
تذكرْ قصةَ سيدنا موسى عليه السلام مع الخضرِ عليه السلام ” فأما السفينةُ فكان ينتظرُها ملكٌ ظالم، يستولي على كلِ السفن غيرِ المعيوبة ، وأهلُ السفينةِ قومٌ مساكين، وإذا استولى الملكُ على السفينةِ سيهلكُ أهلها ، فأراد أن يُعيبها، حتى لا تؤخذَ منهم، وهو على علمٍ بأنهم يستطيعون إصلاحها.
وعن قتلِ الغلام، فقال الخضر، أن الله أوحى له، أنه إذا كبُر سيُرهقُ أبويه كفرًا وطغيانًا، فإذا مات وهو صغير، لن يُكتبَ عليه ذنب، فكان هذا رحمةً للطفل ولوالديه، وأخبرهُ الله أنه سيعوضُ والِدَيّهِ بولدٍ صالح.
وأما الجدارُ الذي أقامهُ دون مقابل، فهذهِ القريةُ بها غلامين يتيمين، جمعَ والدَهُما نقودًا، وأراد ألا يعرف عنها أحدٌ شيئًا، فخبأها أسفلَ هذا الجدار، وإذا انهار الجدارُ يعرفُ أهلُ القرية، ويضيع حقُ الغلامين، ولكن الله أراد أن يكبرا ويحصلان على كنز والدهما.”
ثانيًا : اتبع نهجًا بينك وبين الناس، عاملهم بمبدأ ” أنه إللي فيهم مكفيهم” .
وتذكر” القناعة لا تُعارض الطموح ، القناعةُ هي حدود الممكن للطموح “.
سلمى مهدي.