هل لديك مفتاح !؟
أحمد الحجاج
عند سماعكَ العنوان ، قد تقولُ في نفسك “مفتاح ؟!” ، مفتاح ماذا؟! أتقصد مفتاح البيت والسيارة والمكتب و و .. إلخ؟
لا ألومك لأننا تربينا واعتدنا على ذلك ، كثيراً منا يربطُ كلمة المفتاح بالأغراض المادية ، مثلاً عندما تخرجُ من البيتِ تُقفلُ بابكَ بالمفتاح ، عِندما تركبُ سيارةً تحتاج إلى مفتاح كي تعمل فتقومُ بوضع المفتاح فيها ، بابُ مكتبِكَ يحتاجُ إلى مِفتاح ، الخزانةُ تحتاجُ مفتاح ، الدرج يحتاجُ مفتاح، والكثير من أعمالنا في هذهِ الحياة تحتاجُ إلى مفاتيح حتى تسمحَ لنا بالدخول إلى عالمها الخاص .
ما معنى كلمة مِفتاح؟
1. قِطعة مَعدِنيَّة تُدخَل في قُفل وتُدار فيه لتَعمل على الفَتْح أَو الإغلاق”مِفْتاح باب، خِزانة، حَقيبة”.
2. آلة تُسْتعمَل لِشَدّ أَو فَكّ خَزْنة أَو أجْزاء آلة”مَفاتيح آليَّة”.
3. أداة إدارة مُحرِّك أَو زُنْبُرك، أَو شَقّ غِطاء مَعدِنيّ”مِفتاح مُحرِّك سيَّارة”.
4. آلة الفَتح”مِفتاح كهربائيّ” .
5. علامة موسيقيَّة.
6. ما يُساعد على فهم مسألة مُعقَّدة أو إِيجاد مَخرَج لصعوبة، سِرّ، حَلّ”مِفتاح قَضيَّة”.
قد تضجرُ عندما أقولُ لكَ كل هذه المفاتيح مفاتيحٌ مادية ولم نصل إلى جوهرِ الموضوع ، لكن أريدكَ أن تنظُرَ إلى الجهةِ المقابلة ، أترى هذهِ الشركةُ الضخمة، والسيارة الفخمة، والرجل الذي يظهرُ عليهِ الوقار والهيبه؟!
قد تشعرُ بأنه يمتلكُ مفاتيحَ الدُنيا بأسرها ، وأنا لا ألومك بل على العكس قد أوافقك الرأي أيضاً ، لكن يحتاجُ إلى مفتاح اسمه ” السعادة ” ، قد تتساءل كيف عرفت ذلك؟ قراءتُ في مُذكراتِه ” أقوال الفلاسفة عن السعادة لإدوارد يونج: السعادة الحقيقية لا تُرى بالعين، السعادةُ الحقيقية دائمًا مخفية” .
وكتبَ أيضاً :
“لا تُقاسُ السعادة بكثرة الأموال”.
فكتبتُ له ” وصفَ عائض القرني السعادةَ في كتابه “لا تحزن” بقوله: ليس السعادةُ قصر عبدِالملك بنِ مروان، ولا جيوش هارونِ الرشيدِ ولا دُور ابنِ الجصَّاصِ، ولا كنوز قارون ولا في كتابِ الشفاءِ لابنِ سينا ولا في ديوانِ المتنبي، ولا في حدائقِ قرطبة، أو بساتينِ الزهراءِ، السعادةُ عند الصحابِة مع قلَّةِ ذاتِ اليد، وشظفِ المعيشةِ، وزهادة المواردِ، وشُحِّ النَّفقةِ، السعادةُ عند ابنِ المسيبِ في تألُّهِه وعند البخاري في صحيحِهِ وعند الحسنِ البصريِّ في صِدْقِه، ومع الشافعيِّ في استنباطاتِه ومالكٍ في مُراقبتِه وأحمد في ورعِهِ، وثابتٍ البنانيِّ في عبادتهِ،( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ) .[سورة التوبة، 120]
قد تستغرب في نفسكَ وتقول ” كل واحد عنده هم على قده ”
تماماً .
قد تنظر مجدداً وتلفت انتباهك تلك الفتاة ، التي تذرفُ الدموع رويداً رويداً ، قد تقولُ في نفسك “بسبب حبيبها”.
لكنها ليست كذلك ، قد تُصّدَمُ لسماعِ ذلك ، لأننا نعتقدُ بأن كل فتاةٍ تبكي مع نفسها قد يكون لا بل قد نجزم بسببِ الحبيب ، لكنها ليست كذلك ، كل القصة ” أن أمها إمرأةٌ طاعنةٌ في السن، أصابها مرضُ الزهايمر ” كما تعلم أنه مرض النسيان ” فخانتها الذاكرة ولم تعد تتذكر ابنتها الوحيدة” .
فكتبتْ على صفحتها على الفيس بوك ” الزهايمر مرضُ الوداعِ البطيء “.
أتعلم ماذا تحتاج؟ مفتاحٌ من مفاتيح هذه الحياة ، وهو مفتاح
” الصبر “، فعلقتُ لها بهذا التعليق ” الوهمُ نِصفُ الداء، و الإطمئنان نصفُ الدواء، والصبرُ أول خطواتِ الشفاء. (ابن سينا).
ابتسمي أمكِ ما زالتْ على قيدِ الحياة قد تكون خانتها ذاكرتها ، لكن كوني متأكدةً أن قلبها لا يخونها ، يخفقُ قلبها بِسببك كلما تراكِ لكنها لا تعلم من أنتِ ، تشعرُ أنكِ قطعةٌ منها ، وهذا هو الأهم والأفضل، صَدِقيني “.
وعندما انتهيتُ من كتابةِ هذا التعليق لها ، سمعتُ جرسَ الهاتفِ يرن ، رفعتُ السماعة ورددتُ على الإتصال ب” ألو” وإذ أسمعُ صوتًا يتحدثُ بحرقةٍ وحسرة ” إذا أحببتَ فتاة، لا بل عشقتها وبذلتَ كلَ ما بوسعكَ حتى تُوفر لها البيت والسيارة والحياة الآمنة، ولكنّ حظك لم يُساعدك ، لم تحصل على وظيفة ، وتركتكَ في منتصفِ الطريق، لا بل بأولِ الطريق الذي لم أخطي خطوةً واحدةً فيه وذهبت، ماهو المُفتاحُ الذي أحتاجهُ !؟”
قلتُ لهُ ” مبدئياً ستحتاجُ مفتاح النسيان ، لأن الأموال لن تُفيدك ، فقد خُذلت من أعز مخلوقةٍ لكَ في الدنيا ( ليس كل فقدانٌ للذاكرة مرضاً، ولكنهُ يكونُ محبباً عندما تكون الذكريات أليمة وصعبة ولا نريد أن نتذكرها؛ حيث تسببت بألم لمن يتذكرها) .
قد تكون الذكرى لحبيب أعطيته أكثر مما يحتاج، وكل ما في وسعكَ حتى تحافظَ على وجودهِ معك، وعلى الرغمِ من ذلك تجد نفسك وحيداً. أرادوا الرحيل فرحلوا، فنسيانهم واجبٌ جميعاً، نعرفُ أن الأمرَ ليس مرتبطاً بزرٍ سوفَ تقومُ بالضغطِ عليه، لتنسى ما يؤلمكَ، ولكن بالتعودِ كل شيءٍ يجوزُ فعله”.
فقال لي” حسناً “، سأتصلُ بها الآن وأقولُ لها ” اهدني نسياناً، ثمّ ارحلي إن شئتِ”.
وأقفلَ الخط .
تذكروا مقولةَ نورمان فنسنت بيل :
” لا تيأس، فعادةً ما يكون آخر مفتاحٍ في مجموعةِ المفاتيح هو المناسبُ لفتح الباب”.