هبة أحمد الحجاج
قد تغمُرك السعادةُ وتبتهجُ و أيضاً تبتسم من دون أن تشعر، ولماذا تبتسم!
فقط لأنك تشاهدُ طفلًا صغيرًا يركض مسرعاً باتجاهك، وكأنهُ يهربُ من أمه، ويريدُ أن يتحررَ منها ويلهو ويلعبُ كما يحلو له ، يريد أن يخبرَ العالمَ بانتصارهِ بأنه يمشي ، يشعرُ بدبدبةِ قدميهِ على الأرضِ وكأنهُ هو الوحيد الذي يقفُ عليها ويمتلكها، ولكن وللأسف من شدةِ فرحتهِ سقطَ أرضاً ، وسرعان ما أتتْ أمه وضمدت جرحه ووضعتْ عليه ” البلسم ” ، فسمعت صوتًا يقولُ لها ( الملحُ مفيدٌ أيضاً للجروح) ، فغضبت الأمُ وردت ” أضعُ الملحَ على جرح ابني؟! فلذةُ كبدي ، أأجعلُ ابني يحترقُ من الوجع ويتألمُ من شدةِ الجرح ، هل من المعقولِ أن أساهم في أن يبقى جرحُ ابني موجودًا وحتى إن التئم ، تبقى ندوبُ الجرح موجوده ، أضعُ الملح وأنا لدي البلسم؟!
” البلسم هذه مَادَّةٌ بَلْسَمِيَّةٌ ، صَمْغِيَّةٌ ، تُسْتَخدَمُ فِي الطِّبِّ وَتُضَمَّدُ بِهَا الجِرَاحُ” .
لماذا لا أضعُ له البلسم ، الذي لا يُؤلمهُ ولا يشعرُ أن هناك جرح من الأساس ، سوءاً بالنظر إلى شكلِ ذلك الجرح والذي سيختفي بعد عدةِ أيامٍ وكأنه لم يكن من الأساس .
أعجبني ردُ الأم ، لأنها لخصتْ طريقةَ علاج مشاكل حياتنا في التفريقِ بين الملحِ والبلسم، وماذا يفعلان، وطرق علاجهما ، والآثار المترتبة ما بعد استخدامِ هذين العلاجين .
الجميعُ لديه مشاكلٌ سوءاً جسدية أم معنوية، وقد يكونُ لا بل بالتأكيدِ الجسديةِ لها حلول ، وتعالجُ بالأدويةِ ولله الحمد ، لكن المعنوية كيفَ ستُعالج؟ هل بالبلسمِ أم بالملح .
كفتاةٍ متزوجةِ تشكو لصديقتها عن زوجِها ، ” فترشُ على الجرحِ ملح” ، و تقولُ لها كلماتٍ وعباراتٍ وألفاظٍ قد تُدمرُ عائلةً بأكملها وقد ينتهي الأمر بالطلاقِ ، لماذا ؟! ألم يكن معكِ البلسم ألا وهو الكلمةُ الطيبة ؟! لماذا لم تُذكريها بحسنةٍ من حسناته معها ، ألم يأتي لها بهدية مرة ، ألم يقل لها كلمة حلوةً ذاتَ مره ، ألم وألم وألم ؟!
يقول البرت أينشتاين :
(المثقفون يأتون لحلِ المشاكل بعدَ وقوعِها، والعباقرةُ يسعون لمنعها قبلَ أن تبدأ).
فأين أنتِ منهم ؟!
وهناك شابٌ يشكي لشابٍ آخر ” من جيله ” أبي يفعل كذا ويقوم بكذا ، أبي يقول لي كذا ، أبي وأبي” ، وذلك الشاب يقوم ” برشِ بعضٍ من الملحِ على جرح صديقه ، ويبدأ يقول ” لا يحقُ له كذا ، لا يجب أن يفعلَ كذا ، أنت ابنه ، أنت قطعةٌ منه ” ، شكرًا لك ، وتستحقُ أن أرفعَ لك القبعة بما أنك تذكرت أنه ابنه، لكن لحظة لماذا لم تتذكر أنه أبوه ، لماذا لم تُذكره أنه هو الوحيدُ الذي يخافُ عليه ، هو سندهُ و هو الذي إن حصل له مكروهٌ يتمنى أن يحصلَ له هو قبل ابنه ، هو الذي يريدُ له الخيرَ وكلَ الخير ، ويريدُ أن يكونَ هو الإنسانُ الوحيدُ على بقاعِ العالم أفضلَ من أبيه .
وهناك الكثيرُ الكثير من الآخرين ، الذين يتصيدُون الفرص،
الطفلُ الصغير الذي أمهُ وبختهُ على عدمِ حلِ الواجب ، يقولون لهُ أمكَ تُحب فلان أكثرَ منك لم تُوبخه مثلك ، تلكَ الفتاة تقولُ لصديقتِها ( لماذا خطيبُكِ لا يتغزلُ بكِ على مواقعِ التواصلِ الإجتماعي ، فلانه على صفحتها منشوراتُ غزل وتشعرين ” أنها ست النساء”).
وذاك يقولُ لامرأةٍ طاعنةٍ في السن ، أبناءكِ أين هم؟ لماذا لا أراهم؟ جارتُكِ فلانه أولادُها أشعرُ أنهم مقيمون في بيتها لكثرةِ زيارتهم لها .
وأنتم ما شأنُكم؟ وما علاقتُكم؟
“فلان سافرَ و لم يقلْ لنا،
لماذا؟ هل كنتَ تنوي توصيلهُ إلى المطار ؟ كنت تنوي مساعدتهُ في تكاليفِ التذاكر ؟
فلانٌ بنى بيتًا و لم يخبرنا،
هل ستأخذُ له قرضًا باسمكَ تساعدهُ بشراءِ موادِ البناء ؟
فلان خطبَ دون أن ندري!
هل كنتَ تنوي مساعدتهُ في تكاليفِ الخطبةِ و الزواجِ و المراسم ؟
افرحْ لفرحِ الناس ، وازعلْ لزعلهم، ولا تسألْ عن التفاصيل ، فكلُ شخصٍ لديه ظروفهُ الخاصة وهمّ يكفيه ،
( دع الخلق للخالق) ”
انتبه الإنسانُ يعيشُ كثيراً، ويتعامل مع أشخاص يُشعلون فيه الطاقة السلبية من خلال كلامهم المسموم، لذلك يجب أن يتعلم أن لا يجعل أي شيء يؤثر فيه سوى الكلام الناصح المحفز.
إن من الكلام ما هو أشد من الحجر، وأنفذ من وخز الإبر، وأمر من الصبر، وأحر من الجمر، وإن من القلوب مزارع، فازرع فيها الكلمة الطيبة، فإن لم تنبت كلها ينبت بعضها.