اتركْ بصمة
هبة أحمد الحجاج
كان الأمرُ مزعجًا قليلاً ، أن يكون بضعٌ من الحبرِ الداكنِ على بصمةِ إصبعي ، حاولتُ قدر الإمكان أن أُزيله ، قلتُ في نفسي “لماذا لم نوقع وينتهي الموضوع ؟” لكنني سرعان ما تذكرت أن هنالك رجلٌ قال لي ” بصمتك ، هويتك الشخصيه ، تميزك عن 7,75 مليار نسمة” .
صِدقاً بعد أن سمعتُ هذا الكلام لا أعلم هل أفرح أم أحزن؟!
وقلتُ في نفسي ” هل لدي بصمةٌ في هذهِ الحياة غير بصمةِ أصبعي التي وهبني إياها الخالق؟ ولم يكن جهداً مني” .
أنهيتُ على الفور غسل يداي، وذهبتُ إلى الحاسوب حتى أبحثَ عن البصمة وأكتشف عنها معلوماتٍ جديدة .
وجدت أن البصمة : هي علامةٌ مميزة لكل شخص، أثبتها العالِم” وليم هرشلو”، يتم اعتمادها في التعرفِ على هويةِ الشخص، وعادةً تكون بصمة الإبهام.
أولُ من اكتشفَ هذه الظاهرة هم الصينيون منذ 2000 سنة، حيث كان الأباطرةُ يوقعون على الوثائقِ المُهمة ببصماتِ إبهامهم .
وفي عام 1877 ابتكر “هنري فولدز” طريقةَ تصوير البصمة على ورقةٍ باستخدام حبرِ المطابع الأسود . لكن العالم الإنجليزي “السير فرانسيس غالتون” عام 1892 هو أول من أثبت أنه لا توجد بصمتا إصبعين متطابقتان . كما أكد أن صورة البصمة لأي إصبع تبقى كما هي طوال حياته. وفي عام 1901 طبقت شرطة التحقيقات الشهيرة في لندن “سكوتلانديارد” نظام التعرفِ على المجرمين من خلالِ بصماتِ أصابعهم، وهذا النظام قام بتطويره “السير ادوارد هنري” ، مع بعض التعديلات وهو النظام الذي تطبقهُ دوائر الشرطة في العالمِ إلى اليوم.
دُهشتُ من هذهِ المعلوماتِ القيمة ، ومن هذا الإكتشافِ الرائع ، الذي يُوجد فرق بينك وبين أي شخصٍ في العالم عن طريق ” بصمة “.
لا أخفيكم أنني كنتُ مُندهشًا وفرحاً بهذا الشيء الذي يُعتبر هويتي الشخصية ، لكن في نفس الوقت ، أوقفتُ ” الزمنَ لحظة” قلتُ في نفسي “لماذا لا يكونُ لي بصمةً في حياتي غير إبهامي ، لأنه أيضاً في الحقيقة يوجدُ بصماتٍ تُميزُ هذا الشخص عن غيره”.
مثلاً ؛ عندما تدخلُ إلى بيتٍ لا تعلمُ من هم أفراده الذين يعيشون فيه ، تدخل وتفتح أبوابَ الغرف ، يوجدُ غرفةً من الغرف تحتوي على العطور والمستحضراتِ التجميلية والفساتين وغيرها من الأشياء التي قد توضحُ لك الفكرة وتقول لك ” غرفةُ بنات ” بصمتهم كانت ” الفساتين ، المستحضرات التجميلية ، العطور … إلخ” .
وفي الغرفةِ المقابلةِ مثلاً ” تجدُ الأحذيةَ الرجالية ، العطور الرجالية ، البدلات ،…إلخ، وقد تكونُ مكركبةً بعض الشيء” ، وهنا تتضحُ لكَ الفكرة أيضاً ” غرفةُ الشباب”.
كيفَ عرفتَ ذلك؟ بصمتهم في هذه الغرفة ” الأحذية الرجالية والعطور الرجالية والبدلات … إلخ” .
في يومٍ ما تقررُ الذهابَ إلى المشفى ، حتى تُباركَ بالمولود الجديد، وعندما تذهبُ ترى غرفًا مزينةً بالبلاليين الزرقاء وتدركُ أنها غرفة ولد، فقد اعتدنا أن اللون الأزرق ” للولد” بصمته تمثلت” باللون الأزرق “، أما الطفلة غرفتها مزينةٌ بالبلاليين الزهرية ، بصمتها تمثلت ” باللون الزهري” ، وهكذا .
هذه البصمات تمثلت على مستوى الملابس، والفروقات بين الجنسين ، لكن ماذا عن البصمات المعنوية؟
كالمُدرس ، يتركُ بصمتهُ على طالبه ” فيصبحُ هذا الطالب عالمًا في مجاله” .
كالمهندسِ يتركُ بصمتهُ على تصميم أفضل وأروع الشوراع والطرق والبنايات في بلده ، فيصبحُ المهندسُ العظيم
كالطبيب يتركُ بصمته في نجاح عملية جراحية قد يكون الأمل في نجاحها 1% لكنها تنجحُ بنسبة 100% ويصبحُ الطبيب البارع في العالم من بعدِ توفيق الله .
الشخص لا تكون له قيمةً إلا إذا ترك الشيء الذي يُذكر به كما قيل : «يمر الرجال ويبقى الأثر»، وعلى ضوء هذا لابد أن يكون الشخص ذا فائدةً في مجتمعه.
كالرجل الذي تصدق، عَنْ أبي هُريْرَةَ أنَّ رسُول اللَّه ﷺ قَال: قَال رَجُلٌ لأتَصدقَنَّ بِصَدقَةِ، فَخَرجَ بِصَدقَته، فَوَضَعَهَا في يَدِ سَارِقٍ، فَأصْبحُوا يتَحدَّثُونَ: تَصَدِّقَ الليلة علَى سارِقٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ لأتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدقَتِهِ، فَوَضَعَهَا في يدِ زانيةٍ، فَأصْبَحُوا يتَحدَّثُونَ تُصُدِّق اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى زانِيَةٍ؟، لأتَصَدَّقَنَّ بِصدقة، فَخَرَجَ بِصَدقَتِهِ، فَوَضَعهَا في يَدِ غَنِي، فأصْبَحُوا يتَحدَّثونَ: تُصُدِّقَ علَى غَنِيٍّ، فَقَالَ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ علَى سارِقٍ، وعَلَى زَانِيةٍ، وعلَى غَنِي، فَأتِي فَقِيل لَهُ: أمَّا صدَقَتُكَ علَى سَارِقٍ فَلَعَلَّهُ أنْ يَسْتِعفَّ عنْ سرِقَتِهِ، وأمَّا الزَّانِيةُ فَلَعلَّهَا تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا، وأمَّا الْغنِيُّ فَلَعلَّهُ أنْ يعْتَبِر، فَيُنْفِقَ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ.
ضعْ بصمتكَ في تربيتكَ لأولادك، فكلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته.
ضعْ بصمتكَ في ميدانِ عملكَ ودعوتك.
ضعْ بصمتكَ بالإنجازاتِ العظيمة التي تُذكر الناس بِكَ بعد الموت.
أما بالنسبةِ لبصمتي فأنا أتمنى أن تكونَ بصمتي هي رسالتي من هذا المقال ” اترك بصمتك “.
إن كنتُ لاأتقن ُ إلا السير على خُطى وأثار من سبقوني ؛ فهذا يدلُ أنه لن يكون لي أثرٌ على هذه الأرض .
ليلى المطوع.