هبة أحمد الحجاج
عندما كنتُ أكتب ومتعمقٌ في الكتابة ، شد انتباهي فيلم كرتوني بسيط، تقول الطفلة لصديقتها ” لا تجّعَلِيني في المنتصف أنقِذيني أو اتركيني أسقط ” أي على رأي المثل ” يا شدني ولا بقع”.
لا تجعلني في المنتصف ، هذه العبارة تحديدًا يجب أن تُحفظ وتُدرس أيضاً ، هذه الجملة من وجهة نظري” مسار الحياة ”
من منا ليس في المنتصف؟ من منا لا يعلمُ كيف سيفعلُ في الموقف الفُلاني؟ من منا لم يتخذ القرار بعد في قرارِه المصيري خوفا منه؟ من منا ليس غارقاً في الأفكار والهواجس والمخططات ولم يتشجع ويأخذ قرار التنفيذ؟
فكرة المنتصف مزعجةٌ جداً ، وليس نحنُ نرْفُضها فقط بل أيضاً الطبيعية ترفضها ، فترى النهارَ يبدأُ بالشمسِ المشرقةِ كل يومٍ في وقتِها وتعلنُ لنا عن الصباحِ المشرق المفعم بالحيويةِ والنشاط ، وبعد ذلك ينتهي دوره، ويبدأ دور الليل كل ليله بظلامه الدامس ، ومن سابعِ المستحيلات أن ترى غير ذلك ، كأن ترى مثلاً الشمس في النهار في شق والشق الآخر القمر في الليل.
قد يخطرُ في بالك الآن مثل يُردِدُونه الكثير عند الغضب” والله لأفرجيها نجوم الظهر” هذا أيضاً يدلُ على من المستحيلات أن يحصل، هو فقط للتهديد لا تقل
. وأنتَ ماذا ؟ كيف حالك ؟ حسناً سأسألكَ وأعرفُ الإجابةَ بطريقتي الخاصة ، أين ترى نفسكَ في هذا المثل ” لا تعطيني سمكةً علمني كيف أصطادُها .”
إذا كنتَ في الشق الأول من المثل ” تأخذُ السمكة ” بدون أي عمل أو جهد أو حتى إحساس أنك بذلتَ قدرًا بسيطًا من التعب، حتى تتذوقَ طعم السمكة بشكلٍ لذيذ ، بشكلٍ مختلف يختلفُ عن جميع الأذواق، قد يكون بسبب قطراتٍ من ماء وجهكَ سقطتْ بعد عملكَ المتعب ، أضافتْ نكهةَ العمل إلى طعامِكَ فشعرتْ بطعامكَ الشهي.
اعذرني وبكُلِ أسف أن أقول لك أنك ”
إنسانٌ بدونِ هدف، كسفينةٍ بدون دَفه، كِلاهما سوف ينتهي به الأمر على الصخور” .
أما إذا كنت ” علمني كيف أصطادُها” فاجعلني أقفْ لك احترامًا ، أو أرفع لكَ القبعة أو حتى أصفق لك بحرارة ، وأقول لكَ ” أنت الإبداع: هو أن يخرجَ الإنسان من وحلِ الفشل إلى إنسان يُضربّ به المثل”.
أما إذا كنت في منتصف المثل، لا يوجدُ عندك سمكة ولا تعلم كيف تصطادها فذلك هو المنتصفُ بعينه ،
يقول توماس هكسلي “الهدفُ النهائيُ للحياة هو الفعل و ليس العلم ، فالعلم بلا عمل لا يساوي شيئاً .نحن نتعلم لكي نعمل”.
أنت لا تأتيك السمكة من الأساس ، ولا حتى امتلكت قرار أن تبدأ باصطيادها ، هنا أقول لكَ يحقُ لك أن تُمسكَ كأس المنتصف وترفعهُ عاليًا ، فأنت تستحق لا وبل تستحقه بجدارة ، هل تعلم ما هو المنتصف؟ هو ذلك الذي بين الأبيض والأسود ، اللون الرمادي الذي لا تعرفه هو أسود قاتم أم أبيض ناصع لكنه مزيج ، هو ليس النهار المشرق وليس الظلام الحالك ، صِدقًا في هذه الحالة خاصةً لا أستطيع وصف لك المنتصف، لأنه صعب جداً بل قد يكون لا يُوجد منتصف أيضاً .
لكن بما أنك في المنتصف ، عليكَ الآن أن تقرر وتنفذ إما أن تكون أو لا تكون .
وقبل كل ذلك عليك أن :
“لا تُجالس أنصاف العشاق، ولا تُصادق أنصاف الأصدقاء، لا تقرأ لأنصاف الموهوبين،لا تعش نصف حياة، ولا تمت نصف موت،لا تختر نصفَ حل، ولا تقف في منتصف الحقيقة، لا تحلم نصف حلم، ولا تتعلق بنصف أمل، إذا صمتّ.. فاصمت حتى النهاية، وإذا تكلمت.. فتكلّم حتى النهاية، لا تصمت كي تتكلم، ولا تتكلم كي تصمت.
إذا رضيت فعبّر عن رضاك، لا تصطنع نصف رضا، وإذا رفضت.. فعبّر عن رفضك،
لأن نصف الرفض قبول.. النصف هو حياة لم تعشها، وهو كلمة لم تقلها،وهو ابتسامة أجّلتها، وهو حب لم تصل إليه، وهو صداقة لم تعرفها.. النصف هو ما يجعلك غريباً عن أقرب الناس إليك، وهو ما يجعل أقرب الناس إليك غرباء عنك.
النصف هو أن تصل وأن لاتصل، أن تعمل وأن لا تعمل،أن تغيب وأن تحضر.. النصف هو أنت، عندما لا تكون أنت.. لأنك لم تعرف من أنت، النصف هو أن لا تعرف من أنت.. ومن تحب ليس نصفك الآخر.. هو أنت في مكان آخر في الوقت نفسه.
نصف شربة لن تروي ظمأك، ونصف وجبة لن تشبع جوعك،نصف طريق لن يوصلك إلى أي مكان، ونصف فكرة لن تعطي لك نتيجة النصف هو لحظة عجزك وأنت لست بعاجز.. لأنك لست نصف إنسان.
أنت إنسان وُجِدت كي تعيش الحياة، وليس كي تعيش نصف حياة ليست حقيقة الإنسان بما يظهره لك.. بل بما لا يستطيع أن يظهره، لذلك.. إذا أردت أن تعرفه فلا تصغي إلى ما يقوله .. بل إلى ما لا يقوله ”
جبران خليل جبران.